فصل: فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ:

(يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ إمَامُهُمْ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ، كُلُّ تَرْوِيحَةٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ، ثُمَّ يُوتِرَ بِهِمْ) ذَكَرَ لَفْظَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ الْمُوَاظَبَةَ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تَكْتُبَ عَلَيْنَا.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ):
التَّرَاوِيحُ جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ أَيْ تَرْوِيحَةٍ لِلنَّفْسِ: أَيْ اسْتِرَاحَةٍ، سُمِّيَتْ نَفْسُ الْأَرْبَعِ بِهَا لِاسْتِلْزَامِهَا شَرْعًا تَرْوِيحَةً: أَيْ اسْتِرَاحَةً فَلِذَا قَالَ: وَيَجْلِسُ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ.
قولهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ) تَغْلِيبٌ إذْ لَمْ يُرِدْ كُلَّهُمْ بَلْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَهَذَا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَنْقول أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ زَمَنِ عُمَرَ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَارِئِ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْت هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ يُرِيدُ آخِرُ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ» وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهَا وَهُوَ خَشْيَةُ الِافْتِرَاضِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فَارْجِعْ إلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. زَادَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ النَّوَافِلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» الْحَدِيثُ. وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً سِوَى الْوِتْرِ» فَضَعِيفٌ بِأَبِي شَيْبَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ مَعَ مُخَالِفَتِهِ لِلصَّحِيحِ. نَعَمْ ثَبَتَتْ الْعِشْرُونَ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ فِي الْمُوَطَّإِ. عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَة. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَفِي الْمُوَطَّإِ رِوَايَةٌ بِإِحْدَى عَشْرَةَ. وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ وَقَعَ أَوَّلًا ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْعِشْرِينَ فَإِنَّهُ الْمُتَوَارِثُ، فَتَحْصُلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ سُنَّةٌ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ فِي جَمَاعَةٍ فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ، أَفَادَ أَنَّهُ لَوْلَا خَشْيَةَ ذَلِكَ لَوَاظَبْت بِكُمْ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ سُنَّةً، وَكَوْنُهَا عِشْرِينَ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» نَدْبٌ إلَى سُنَّتِهِمْ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ سُنَّتَهُ. إذْ سُنَّتُهُ بِمُوَاظَبَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ إلَّا لِعُذْرٍ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ ذَلِكَ الْعُذْرِ إنَّمَا اسْتَفَدْنَا أَنَّهُ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فَتَكُونُ الْعِشْرُونَ مُسْتَحَبًّا وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهَا هُوَ السُّنَّةُ كَالْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ وَرَكْعَتَانِ مِنْهَا هِيَ السُّنَّةُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ السُّنَّةَ عِشْرُونَ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَا قُلْنَا، فَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ مَا هُوَ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ مِنْ قولهِ يُسْتَحَبُّ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ.

متن الهداية:
(وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ) لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَنْ إقَامَتِهَا كَانُوا مُسِيئِينَ، وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لِلْفَضِيلَةِ لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ) ذُكِرَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُرْوَةَ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ وَنَافِعٍ وَسَالِمٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا فِي بَيْتِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَيُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَجَوَابُهُ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانِ الْعُذْرِ فِي تَرْكِهِ وَفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.

متن الهداية:
وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَبَيْنَ الْوِتْرِ لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَاسْتَحْسَنَ الْبَعْضُ الِاسْتِرَاحَةَ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَالْمُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ) قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقول: وَالْمُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ بَدَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، إلَّا أَنَّهُ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ التَّنَفُّلِ مَا شَاءَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ بِجَمَاعَةٍ وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِالْخِيَارِ يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا أَوْ يُصَلُّونَ أَرْبَعًا فُرَادَى، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الِانْتِظَارُ لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّاحَةِ فَيُفْعَلُ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْمِ وَكَذَا هُوَ مُتَوَارَثٌ.

متن الهداية:
وَقولهُ ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ مَرَّةً فَلَا يُتْرَكُ لِكَسَلِ الْقَوْمِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ) لِأَنَّهَا سُنَّةٌ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَكَانَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْوِتْرِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: اللَّيْلُ كُلُّهُ وَقْتُهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَسُنَّتِهَا فَكَانَتْ تَبَعًا لَهَا. وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَدَائِهَا بَعْدَ النِّصْفِ، فَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ كَسُنَّتِهَا وَالصَّحِيحُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ.
قولهُ: (وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إلَخْ) يُقَابِلُ قول الْأَكْثَرِ مَا قِيلَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ النَّوَافِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ خُصُوصًا بِالْجَمَاعَةِ وَمَا قِيلَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثِينَ آيَةً لِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَقَعُ الْخَتْمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ كُلَّ عَشْرٍ مَخْصُوصٌ بِفَضِيلَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَنَّه: «شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنْ النَّارِ». وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ إذَا خَتَمَ قَبْلَ آخِرِهِ قِيلَ لَا يُكْرَه تَرْكُ التَّرَاوِيحِ فِيمَا بَقِيَ، وَقِيلَ يُصَلِّيهَا وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا يَشَاءُ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ، فَعَدَدُ التَّرَاوِيحِ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ وَثَمَانُونَ، وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَشَيْءٌ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ قَالَ: عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا وَهُوَ حَسَنٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ إحْدَى وَسِتِّينَ خَتْمَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ خَتْمَةٌ وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ خَتْمَةٌ وَفِي كُلِّ التَّرَاوِيحِ خَتْمَةٌ.
قولهُ: (وَلَا يُتْرَكُ لِكَسَلِ الْقَوْمِ) تَأْكِيدٌ فِي مَطْلُوبِيَّةِ الْخَتْمِ وَأَنَّهُ تَخْفِيفٌ عَلَى النَّاسِ لَا تَطْوِيلٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، وَإِذَا كَانَ إمَامُ مَسْجِدِ حَيِّهِ لَا يَخْتِمُ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى غَيْرِهِ.
قولهُ: (حَيْثُ يَتْرُكُهَا) إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تَثْقُلُ عَلَى الْقَوْمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا لِأَنَّهَا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلَا يَتْرُكُ السُّنَنَ لِلْجَمَاعَاتِ كَالتَّسْبِيحَاتِ.

متن الهداية:
(وَلَا يُصَلَّى الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ، وَالْجَمَاعَةُ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ فَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا فِيهِ.
وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ صَلَّاهَا بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَدَمُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتٍ تَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا قَدَحَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ يُعَدُّ عَدَمُ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ. فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْجَمَاعَةُ كَانَتْ أَفْضَلَ، وَفِي النِّهَايَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَا قَالَ: وَاخْتَارَ عُلَمَاؤُنَا أَنْ يُوتِرَ فِي مَنْزِلِهِ لَا بِجَمَاعَةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّرَاوِيحِ، لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ كَانَ لَا يَؤُمُّهُمْ.اهـ. وَحَاصِلُ هَذَا اخْتِلَافٌ فِعْلِيٌّ وَأَنْتَ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْتَرَ بِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ مِثْلِ مَا صَنَعَ فِيمَا مَضَى، فَكَمَا أَنَّ فِعْلَهُ الْجَمَاعَةَ بِالنَّفْلِ ثُمَّ بَيَانَهُ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ أَوْجَبَ سُنِّيَّتَهَا فِيهِ فَكَذَلِكَ الْوِتْرُ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْجَارِيَ فِيهِ مِثْلُ الْجَارِي فِي النَّفْلِ بِعَيْنِهِ، وَكَذَا مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ فِعْلِ الْخُلَفَاءِ يُفِيدُ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِيهِ أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ عُمَرُ: وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ، وَعَلِمَ قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «وَاجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» فَأَخَّرَهُ لِذَلِكَ، وَالْجَمَاعَةُ فِيهِ إذْ ذَاكَ مُتَعَذِّرَةٌ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهِ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ كَمَا يُعْطِيهِ إطْلَاقُ جَوَابِ هَؤُلَاءِ.


.(بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ):

(وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ يُصَلِّي أُخْرَى) صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ (ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ) إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ (وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَيَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ، وَهَذَا الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَال.
الشَّرْحُ:
(بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) حَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَكُلُّهُ مَسَائِلُ الْجَامِعِ.
قولهُ: (ثُمَّ أُقِيمَتْ) حَقِيقَةُ إقَامَةِ الشَّيْءِ فِعْلُهُ، وَهَذَا أَرَادَ لَا مَا إذَا شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ الْإِمَامُ بَلْ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَهُمْ.
قولهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) إلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مُخْتَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ. وَجْهُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِمَا دُونَ الرَّكْعَةِ فَكَانَ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ وَقَعَ قُرْبَةً فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ مَا أَمْكَنَ بِالنَّصِّ، وَاسْتِئْنَافُ الْفَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ لَا يُسْلَبُ قُدْرَةَ صَوْنِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إتْمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ وَإِنْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ الْإِبْطَالُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ. نَعَمْ غَايَةُ الْأَكْمَلِيَّةِ فِي أَنْ لَا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُعَارِضُهُ حُرْمَةُ الْإِبْطَالِ، بِخِلَافِ إتْمَامِ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِوَصْفِهَا إلَى وَصْفٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَالنَّقْلِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ فَحَضَرَتْ جِنَازَةٌ خَافَ إنْ لَمْ يَقْطَعْهَا تَفُوتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعًا، وَقَطْعُ النَّفْلِ مُعَقِّبٌ لِلْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ لَوْ اخْتَارَ تَفْوِيتَهَا كَانَ لَا إلَى خَلْفِ.
قولهُ: (وَهَذَا الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ) يَعْنِي هُوَ تَفْوِيتُ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لِتَحْصِيلِهِ بِوَجْهٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ لِتَجْدِيدِهِ، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ ثُمَّ الْإِعَادَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ إحْسَانٍ جَائِزًا لِحُطَامِ الدُّنْيَا كَالْمَرْأَةِ إذَا فَارَ قِدْرُهَا وَالْمُسَافِرُ إذَا نَدَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ خَافَ فَوْتَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ فَجَوَازُهُ لِتَحْصِيلِهِ نَفْسَهُ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، ثُمَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا اتَّحَدَ مَسْجِدُهُمَا، فَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْبَيْتِ مَثَلًا فَأُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ. وَقول مُحَمَّدٍ: بُطْلَانُ الْوَصْفِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمُضِيِّ، كَمَا إذَا قَيَّدَ خَامِسَةَ الظُّهْرِ بِسَجْدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ قَعَدَ الْأَخِيرَةَ، أَمَّا إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْمُضِيِّ لَكِنْ أَذِنَ لَهُ الشَّرْعُ فِي عَمَلِهِ فَلَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا بَلْ تَبْقَى نَفْلًا إذَا ضَمَّ الثَّانِيَةَ.

متن الهداية:
وَلَوْ كَانَ فِي السُّنَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ أَوْ خَطَبَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قِيلَ يُتِمُّهَا (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْ الظُّهْرِ يُتِمُّهَا) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَلَا يُحْتَمَلُ النَّقْضُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدُ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَيْثُ يَقْطَعُهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرَّفْضِ وَيَتَخَيَّرُ، إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ (وَإِذَا أَتَمَّهَا يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةً) لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَحُكِيَ عَنْ السُّغْدِيِّ: كُنْت أُفْتِي أَنَّهُ يُتِمُّ سُنَّةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ حَتَّى رَأَيْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَرَعَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ خَرَجَ الْإِمَامُ قَالَ: إنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّمُ فَرَجَعْتُ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْبَقَّالِيُّ. وَقِيلَ يُتِمُّهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَضَائِهَا بَعْدَ الْفَرْضِ، وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ.
قولهُ: (حَيْثُ يَقْطَعُهَا) بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ عَدَمَ قَطْعِ الْأُولَى قَبْلَ السُّجُودِ وَضَمَّ ثَانِيَةٍ لِأَنَّ ضَمَّهَا هُنَا مُفَوِّتٌ لِاسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ فَيَفُوتُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ.
قولهُ: (غَيْرَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ إلَخْ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ: يَعُودُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ صَلَاةٍ مُعْتَدٍّ بِهَا، وَذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةِ الْقُعُودِ. وَاخْتُلِفَ إذَا عَادَ هَلْ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ؟ قِيلَ نَعَمْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ قُعُودَ خَتْمٍ، وَقِيلَ يَكْفِيهِ ذَلِكَ التَّشَهُّدُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ ارْتَفَضَ ذَلِكَ الْقِيَامَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ، ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ.
قولهُ: (وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةٌ) دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» وَكَرَاهَةُ النَّفْلِ بِجَمَاعَةٍ خَارِجَ رَمَضَانَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُتَنَفِّلِينَ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْإِعَادَةِ حِينَئِذٍ مَجَازٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ.

متن الهداية:
(فَإِنْ صَلَّى مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً ثُمَّ أُقِيمَتْ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَذَا إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ، وَبَعْدَ الْإِتْمَامِ لَا يَشْرَعُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَكَذَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ، وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةٌ لِإِمَامِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ) فَإِنْ قِيلَ: رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّتَهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَاهَا مَعَهُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، قَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالصَّارِفُ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ جَعَلَهَا نَافِلَةً. فَالْجَوَابُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ الصُّبْحِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مُقَدَّمٌ، وَاعْتِبَارُهُمْ كَوْنَ الْخَاصِّ مُطْلَقًا مُقَدَّمًا عَلَى الْعَامِّ مَمْنُوعٌ بَلْ يَتَعَارَضَانِ فِي ذَلِكَ الْفَرْدِ وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَعْلُومَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، كَيْفَ وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذَا صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ فَصَلِّهَا إلَّا الْفَجْرَ وَالْمَغْرِبَ». قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَكَانَ ثِقَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَخْفَى وَجْهُ تَعْلِيلِ إخْرَاجِهِ الْفَجْرَ بِمَا يُلْحَقُ بِهِ الْعَصْرُ خُصُوصًا عَلَى رَأْيِهِمْ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ مِمَّا يُعَلَّلُ وَيُلْحَقُ بِهِ إخْرَاجًا قولهُ: (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ وَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا، وَمَا عَنْهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَهُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ.
قولهُ: (وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةُ إمَامِهِ) دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْهُ، وَمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِهَا مِنْ أَنَّهُ تَغَيُّرٌ وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي سَجْدَةٍ سَجَدَهَا وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى كَمَالِ الْفَرْضِ.
وَفِي وَجْهِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا نَقْصٌ وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الظُّهْرِ بَعْدَ مَا صَلَّاهَا وَتَرَكَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي مَعَ خُلُوِّهِمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ نَقْصٌ فِي صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، وَلَمْ يُكْرَهُ لِمَجِيئِهِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ فَالْأَخِيرُ مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ خُلُوِّهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ حُكْمًا، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ زِيَادَةَ نَحْوِ السَّجْدَةِ لَيْسَ زِيَادَةَ تَمَامِ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ اعْتِبَارُ مَا لَا يُمْكِنُ رَفْضُهُ. وَالْأَوْجُهُ مَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْأُولَى بِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ شَرْعًا كَالْمَسْبُوقِ. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ الْمُخَالَفَةُ فِي النِّيَّةِ. يَعْنِي إذَا اقْتَدَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي ثَلَاثًا وَمِنْ عَزْمِهِ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا يَكُونُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ فِي النِّيَّةِ: وَإِطْلَاقُ قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» يُفِيدُ كَرَاهَتَهُ وَجَوَازَ مُخَالَفَتِهِ فِي صِفَةِ النَّفْلِيَّةِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، أَوْ نَقول: الْمُخَالَفَةُ فِي الْأَدَاءِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ الْوِفَاقُ مَعْنًى، وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ إذْ يَحْصُلُ بِهِ الْخِلَافُ مَعْنًى، وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهَا بِمَنْعِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ وَلَا بُدَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ، فَعَنْ بِشْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ فَسَدَتْ وَيَقْضِي أَرْبَعًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَيَلْزَمُ أَرْبَعٌ كَمَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثًا. وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا سَاهِيًا بَعْدَ مَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِ وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ الرَّجُلُ مُتَطَوِّعًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِأَنَّ الرَّابِعَةَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي بِالشُّرُوعِ وَعَلَى الْإِمَامِ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا، فَصَارَ كَرَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِالنَّذْرِ فَاقْتَدَى فِيهِنَّ بِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي كَذَا هَذَا.

متن الهداية:
(وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِنَّ فِيهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ يُرِيدُ الرُّجُوعَ» قَالَ: (إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ) لِأَنَّهُ تَرْكُ صُورَةِ تَكْمِيلِ مَعْنًى (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَكَانَتْ الظُّهْرُ أَوْ الْعِشَاءُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ) لِأَنَّهُ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً (إلَّا إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا (وَإِنْ كَانَتْ الْعَصْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ أَوْ الْفَجْرَ خَرَجَ وَإِنْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِيهَا) لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (يُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يُصَلِّيَ) فِيهِ مُقَيَّدٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ صَلَّى وَلَيْسَ مِمَّنْ تَنْتَظِمُ بِهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ إلَيْهِمْ وَفِيهِ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَوْ غَيْرَهُ وَقَدْ صَلُّوا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ، فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَخْرُجَ.
قولهُ: (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يَخْرُجَ» إلَخْ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَحَدٌ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ، إلَّا أَحَدٌ أَخْرَجَتْهُ حَاجَةٌ وَهُوَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ» وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ يَقْبَلُهَا بَعْضُ مَنْ يَرُدُّ الْمَرَاسِيلَ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ تَتَبَّعَهَا فَوَجَدَهَا مَسَانِيدَ. وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: «كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ.» وَمِثْلُ هَذَا مَوْقُوفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ مُسْنَدٌ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَقَالَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ. وَرَوَاهُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَزَادَ فِيهِ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَلَا تَخْرُجُوا حَتَّى تُصَلُّوا».

متن الهداية:
(وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: إنْ خَشَى أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ وَيُدْرِكَ الْأُخْرَى يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ (وَإِنْ خَشَى فَوْتَهُمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ) لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ، وَالْوَعِيدَ بِالتَّرْكِ أَلْزَمُ، بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهَا فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْفَرْضِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ. وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمَنْزِلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ خَشِيَ فَوْتَهُمَا) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ ارْتَكَبَ الْأَرْجَحَ، وَفَضِيلَةُ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ أَعْظَمُ مِنْ فَضِيلَةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا تَفْضُلُ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا يَبْلُغُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا لِأَنَّهَا أَضْعَافُ الْفَرْضِ، وَالْوَعِيدُ عَلَى التَّرْكِ لِلْجَمَاعَةِ أَلْزَمُ مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ قول ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ هَمِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ وَمِنْ رِوَايَةِ الْحَاكِم: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» الْحَدِيثَ، فَارْجِعْ إلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ فِي التَّشَهُّدِ قِيلَ هُوَ كَإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ عِنْدَهُمَا، وَعَلَى قول مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَالْوَجْهُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا لِمَا سَنَذْكُرُ، وَمَا عَنْ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يَقْطَعَهُمَا فَيَجِبَ الْقَضَاءُ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ دَفَعَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ لَيْسَ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَأَيْضًا شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ بِقَصْدِ الْإِفْسَادِ. فَإِنْ قِيلَ: يُؤَدِّيهَا مَرَّةً أُخْرَى. قُلْنَا: إبْطَالُ الْعَمَلِ قَصْدًا مَنْهِيٌّ، وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ.
قولهُ: (حَيْثُ يَتْرُكُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ) أَيْ فِي حَالِ خَوْفِ فَوْتِ الْفَرْضِ وَحَالِ خَوْفِ فَوْتِ بَعْضِهِ.
قولهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قول بَعْضِهِمْ لَا يَقْضِيهَا.
قولهُ: (وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إلَخْ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ قول أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قول مُحَمَّدٍ قَبْلَهُمَا، وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى عَكْسِهِ، وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَاتَتْ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ فَلَا تَفُوتُ الرَّكْعَتَانِ أَيْضًا عَنْ مَوْضِعِهِمَا قَصْدًا بِلَا ضَرُورَةٍ.
وَفِي الْمُصَفَّى وَتَبِعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ جَعَلَ قولهُمَا بِتَأْخِيرِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَقَعُ سُنَّةً بَلْ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَقَعُ سُنَّةً فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَاَلَّذِي يَقَعُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِينَ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ الْأَرْبَعِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُمَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تُقْضَى اتِّفَاقٌ عَلَى وُقُوعِهَا سُنَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ هَلْ تَقَعُ بَعْدَ الشَّمْسِ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا مُبْتَدَأً حَكَوْا الْخِلَافَ فِي أَنَّهَا تُقْضَى أَوَّلًا، فَلَوْ كَانَا يَقولانِ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ إنَّهَا تَكُونُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَجَعَلُوهَا خِلَافِيَّةً فِي أَصْلِ الْقَضَاءِ. فَاَلَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا تُقْضَى أَوَّلًا مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَقَعُ سُنَّةً كَمَا هِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَا تَقَعُ سُنَّةً، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّرَاوِيحِ: إذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِلَا جَمَاعَةٍ؟ قِيلَ نَعَمْ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ تَرَاوِيحَ أُخْرَى، وَقِيلَ مَا لَمْ يَمْضِ رَمَضَانُ، وَقِيلَ لَا تُقْضَى، قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا دُونَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَتِلْكَ لَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرِيضَةٍ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ كَانَ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا وَلَا يَكُونُ تَرَاوِيحَ.اهـ. دَلَّ أَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِهِ قَضَاءً يَقَعُ تَرَاوِيحَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَضَائِهَا كَذَلِكَ.
قولهُ: (وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ) لِمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُخَالَفَةَ لِلْجَمَاعَةِ وَالِانْتِبَاذَ عَنْهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ إذْ لَا يُمْكِنُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مَكَانٌ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْمَكْرُوهَ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي الشَّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الصَّيْفِيِّ وَقَلْبُهُ، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ (قول وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمُنَزَّلُ) ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إلَى أَنَّ لَفْظَ عَامَّةِ بِمَعْنَى الْأَكْثَرِ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَذَكَرَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي قولهِمْ قَالَ بِهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَنَحْوِهِ وَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّرَاوِيحِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي السُّنَنِ. وَأَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ النَّوَافِلِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ عَامَّةِ مَعْمُولًا لِلْحَرْفِ لَا عَلَى السُّنَنِ. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ وَالظُّهْرِ عَلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ يُؤَدِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ لَا مَا سِوَاهُمَا. وَالْجَوَابُ هَذَا قول الْبَعْضِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ فَعِبَارَةُ الْكِتَابِ، وَبِهِ أَفْتَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: إلَّا أَنْ يَخْشَى أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهَا إذَا رَجَعَ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَالْأَفْضَلُ الْبَيْتُ، وَمَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَابِ النَّوَافِلِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ لَا يُنَافِي هَذَا وَلَا مَا صَرَّحَ الزَّاهِدِيُّ بِهِ مِنْ كَرَاهَةِ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ، إذْ وُقُوعُهَا سُنَّةً لَا يُنَافِي ثُبُوتَ كَرَاهَةِ مَا فِيهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَمَّاهَا سُنَّةً مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ الْمَذْهَبِ إلَى أَنَّهُ يَصِيرُ عَاصِيًا. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوهَا فِي بُيُوتِكُمْ» وَاخْتَلَفَ قول الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ مَا أَجْزَأَهُ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ وَمَا أَحْسَنَ مَا انْتَزَعَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: لَقَدْ رَأَيْت النَّاسَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا انْصَرَفُوا مِنْ الْمَغْرِبِ انْصَرَفُوا جَمِيعًا حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ كَأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَصِيرُونَ إلَى أَهْلَيْهِمْ.اهـ. وَقَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ لَمَّا رَآهُمْ يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ «هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَقَالَ فِيه: «ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ» وَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّحِيحِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ» إلَخْ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ» وَسَنَذْكُرُ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَرَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَقولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» مَحْمُولٌ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِيمَا قَبْلَهُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لَا يَقْضِيهِمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ الصُّبْحِ (وَلَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَاهُمَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ فَبَقِيَ مَا رَوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا تُقْضَى تَبَعًا لَهُ، وَهُوَ يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَفِيمَا بَعْدَهُ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا فَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ وَحْدَهُ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، أَوْ قَدْ وَرَدَ وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. وَإِذَا تَرَجَّحَ الْعَمَلُ بِهِ بَقِيَ الْمَفْعُولُ بَعْدَهَا نَفْلًا مُطْلَقًا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ الدَّالَ عَلَى كَوْنِهِ قَضَاءَ مُعَارَضٍ فَيَكُونُ قَضَاءً لَا نَفْلًا مُطْلَقًا عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ.
قولهُ: (لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ) قِيلَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَسْلِيمٌ مِثْلُ الْوَاجِبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى جَعْلِ مُسَمَّى هَذَا اللَّفْظِ كَذَا لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الْقَضَاءِ مَعَ حَذْفِ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى فَيَمْنَعُ النَّاظِرُ اعْتِبَارَ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي مَفْهُومِهِ، وَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ لَا يَدْفَعُ اصْطِلَاحًا آخَرَ. أَوْ يُقَالُ: ذَلِكَ تَعْرِيفُ قَضَاءٍ لِلْوَاجِبِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ ذَلِكَ فِي تَقْسِيمِ حُكْمِ الْأَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قولهِمْ حُكْمُ الْأَمْرِ نَوْعَانِ: أَدَاءٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْوَاجِبِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَقَضَاءٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ. فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِهِ أَنْ يُقَالَ الْقَضَاءُ إنْ وَجَبَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ تَوَقَّفَ قَضَاءُ كُلِّ نَفْلٍ وَوَاجِبٍ عَلَى سَمْعِيٍّ فِيهِ وَقَدْ وُجِدَ فِي كُلِّ وَاجِبٍ سَمْعِيٍّ عَامٍّ، وَفِي الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ إجْمَاعٌ عَلَى مَا نَقَلُوا وَهُوَ سَمْعِيٌّ أَيْضًا، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا فَاخْتَصَّ الْقَضَاءُ بِالْوَاجِبِ وَإِنْ وَجَبَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ. فَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ إذَا شَغَلَ الذِّمَّةَ وَطَلَبَ تَفْرِيغَهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَفَاتَ يَبْقَى السَّبَبُ طَالِبًا التَّفْرِيغَ عَلَى حَسَبِ الْوُسْعِ الْحَاصِلِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ شَغْلِهَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِإِبْرَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَوْ الْأَدَاءُ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي السُّنَنِ إذْ لَا شَغْلَ ذِمَّةٍ فِيهَا بَلْ طُلِبَتْ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ ابْتِدَاءً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا تَعَذَّرَ لَمْ يَبْقَ طَالِبُهَا إذْ الذِّمَّةُ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً بِهِ، وَمَا طَلَبَهَا إلَّا سُنَّةً وَهُوَ بِكَوْنِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْقول عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَتَى بِشَيْءٍ يَكُونُ طَالِبُهُ السَّبَبَ الطَّالِبَ لِلنَّفْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُمُومَاتِ النَّادِبَةِ لِتَكْثِيرِ الصَّلَاةِ مَا أَمْكَنَ فَيَثْبُتُ بِهَذَا اخْتِصَاصُ الْوَاجِبِ بِالْقَضَاءِ عِنْدَ فَوْتِ الْأَدَاءِ فَلَا يَجْرِي الْقَضَاءُ فِي غَيْرِهَا إلَّا بِسَمْعِيٍّ، وَهُوَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ فِي غَدَاةِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ، وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ. وَأَلْفَاظَهُ وَبِهِ نَقول، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَلِذَا نَقول: لَا تُقْضَى سُنَّةُ الظُّهْرِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَتَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ، وَمُقْتَضَى هَذَا تَرَجُّحُ قول مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ إذَا فَاتَ لَا تُقْضَى سُنَّتُهُ مَعَهُ، وَحِينَئِذٍ فَتَعْرِيفُ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِهِ يَشْمَلُ فِعْلَ النَّوَافِلِ أَنْ يُقَالَ هُوَ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا طُلِبَ شَرْعًا فَيَشْمَلُ فِعْلَ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ فِي أَوْقَاتِهَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تُوصَفَ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ، وَالْقَضَاءُ فِعْلُ مِثْلِ ذَلِكَ.
قولهُ: (وَإِنَّمَا تُقْضَى) أَيْ سُنَّةُ الْفَجْرِ تَبَعًا لَهُ: أَيْ الْفَجْرِ: أَيْ صَلَاةُ الصُّبْحِ إذَا كَانَتْ مَعَهَا وَهُوَ يُصَلِّي: أَيْ يَقْضِي صَلَاةَ الصُّبْحِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ فَلَوْ لَمْ يَقْضِهَا حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ فَفِي قَضَائِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ لَا تُقْضَى وَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَضَاهَا تَبَعًا لَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَقِيلَ يَقْضِيهَا بَعْدَ الزَّوَالِ تَبَعًا كَقَبْلِهِ. وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا: أَيْ سِوَى سُنَّةِ الْفَجْرِ فَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ: قِيلَ لَا تُقْضَى، وَقِيلَ تُقْضَى بِنَاءً عَلَى جَعْلِ الْوَارِدِ فِي قَضَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَأَرَادَ فِي غَيْرِهِ مِنْ السُّنَنِ الْفَائِتَةِ مَعَ فَرَائِضِهَا إلْغَاءً لِخُصُوصِ الْمَحَلِّ.

متن الهداية:
(وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ فَصَارَ مُحْرِزًا ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِالْجَمَاعَةِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ، وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْجَمَاعَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ اتِّفَاقًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ أَدْرَكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ) وَأَحْرَزَ ثَوَابَهَا وِفَاقًا لِصَاحِبَيْهِ، لَا كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْ فَضْلَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِقولهِ فِي مُدْرِكِ أَقَلِّ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ لَمْ يُدْرَكْ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَبْنِيَ الظُّهْرَ عَلَيْهَا، بَلْ قولهُ هُنَا كَقولهِمَا مِنْ أَنَّهُ مُحْرِزٌ ثَوَابَهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فِي الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِجَمَاعَةٍ حَقِيقَةً فَلِذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَتِهَا عَلَى قولهِمْ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قِيلَ فِيمَنْ يَرْجُو إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ فِي الْفَجْرِ لَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى قول مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَيَتْرُكُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى قولهِ، فَالْحَقُّ خِلَافُهُ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ هُنَا عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ.
قولهُ: (وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ) فَلَوْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ ثَلَاثًا فَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بَلْ بَعْضَهَا بِجَمَاعَةٍ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ بِالشَّيْءِ، وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَعُلِمَ مِنْ السَّبْكِ الَّذِي سَبَكْنَاهُ وُقُوعُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَسَبَبُ تَخْصِيصِ قول مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّنْبِيهُ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الزَّعْمِ.

متن الهداية:
(وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ تَرَكَهُ. قِيلَ هَذَا فِي غَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ لِأَنَّ لَهُمَا زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَقَالَ فِي الْأُخْرَى «مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَقِيلَ هَذَا فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ، وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لِلْفَرَائِضِ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ) يَعْنِي فَاتَتْهُ جَمَاعَتُهُ وَصَارَ بِحَيْثُ يُصَلِّي الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ سُنَّةً أَوْ نَافِلَةً مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ وَلَكِنْ هُوَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ تَرَكَ التَّطَوُّعَ (قِيلَ هَذَا) أَيْ تَرَكَ التَّطَوُّعَ لِلضِّيقِ (فِي غَيْرِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ) أَمَّا هُمَا فَلَا يَتْرُكُهُمَا مَا أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَهُمَا لِزِيَادَةِ وَكَادَتِهِمَا (وَقِيلَ) بَلْ (هَذَا) أَيْ التَّرْكُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ (فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ الْعُمُومُ السَّابِقُ (لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى السُّنَنِ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ) لَا مُنْفَرِدًا وَهَذَا مُنْفَرِدٌ (وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ) فَلَا تَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِ هَذَا السَّبْكُ هُوَ الْمُرَادُ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْهُ تَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ هَذَا: أَيْ عَدَمَ التَّرْكِ فِي الْكُلِّ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَلَمْ يُنَاسِبْهُ تَعْلِيلُهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْأَوَّلِ إلَّا التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ ضِيقٌ وَإِنْ صَلَّاهُمَا بِجَمَاعَةٍ إذْ لَيْسَتَا بِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ قولهِ قَدْ صَلَّى فِيهِ، وَيَفْسُدُ الْمَعْنَى أَيْضًا إذْ يُفِيدُ لَا يَتْرُكُ سُنَّةَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَتْرُكُ السُّنَنَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا سُنَّةَ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا وَاظَبَ عَلَيْهَا كَذَلِكَ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ سُنِّيَّتَهَا مُطْلَقَةٌ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِإِطْلَاقِ الْمَعْنَى الْمَعْقول مِنْ شَرْعِيَّتِهَا، وَهُوَ تَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ بِجَبْرِ الْخَلَلِ الَّذِي عَسَاهُ يَقَعُ فِيهَا وَقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ مِنْهُ أَنْ يُوَسْوِسَ لَهُ بِتَرْكِ الْفَرْضِ وَلِتَكُونَ الْمُتَقَدِّمَةُ مُعِينَةً عَلَى حُصُولِ الْجَمْعِيَّةِ فِي الْفَرْضِ لِقَطْعِ مَوَادِّ الشَّوَاغِلِ بِهَا قَبْلَ الْفَرْضِ فَيَدْخُلُ الْفَرْضُ وَقَدْ تَوَجَّهَتْ النَّفْسُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلِيَ الْفَرْضَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الشَّوَاغِلِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ إلَّا كَذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِلِاتِّفَاقِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ إلَّا كَذَلِكَ، هَذَا فِي حَقِّنَا، أَمَّا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِيَادَةُ الدَّرَجَاتِ إذْ لَا خَلَلَ فِي صَلَاتِهِ وَلَا طَمَعَ.
قولهُ: (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا) ظَاهِرٌ فِي تَصْيِيرِ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةً يَتْرُكُهَا الْمُنْفَرِدُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُكْرَهُ يَتْرُكُهَا إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا بَعْدَ كَوْنِ الْوَقْتِ بَاقِيًا وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ كُلِّهَا حَالُ ضِيقِ الْوَقْتِ وَسَعَتِهِ وَالِانْفِرَادِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَدْ يُرَادُ شُمُولُهُ لِلسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ أَيْضًا فَيُفِيدُ اخْتِيَارَ أَحَدِ الْقوليْنِ فِي السَّفَرِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَشَايِخِ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِنَانِ فِي السَّفَرِ فَلَا يُصَلِّي السُّنَّةَ فِيهِ، وَقِيلَ يُصَلِّيهَا لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْقول مِنْ شَرْعِيَّتِهَا مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِيهِ إذْ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا عَلَى مَا مَرَّ، لَكِنْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: لَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت. وَلِأَنَّا لَا نَقول لَا يُتَنَقَّلُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ بَلْ الْكَلَامُ فِي ثُبُوتِ سُنِّيَّةِ الْمَعْهُودَةِ حَتَّى يَلْزَمَهُ إسَاءَةٌ بِالتَّرْكِ فَهَذَا هُوَ الْمَنْفِيُّ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَسْقَطَ شَطْرَ الْفَرْضِ عَنْهُ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِلسَّفَرِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ غَيْرَهُ بِحَيْثُ يُلْزَمُهُ إسَاءَةٌ بِتَرْكِهِ. وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ: فَحَدِيثُ سُنَّةِ الْفَجْرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدَعُوهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَفِيهِ ابْنُ سَيْلَانَ بِمُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا نَدْرِي أَهُوَ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَيْلَانَ أَوْ هُوَ جَابِرُ بْنُ سَيْلَانَ؟ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَحَالُهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِمَا عَيَّنَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّهُ عَبْدُ رَبِّهِ وَقَالَ: هَكَذَا جَاءَ مُسَمًّى فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ.
وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: سَأَلْت عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ قِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا فَنَفَوْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَأَمَّا رِوَايَاتُهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: مُقَارِبُ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ سُنَّةِ الظُّهْرِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَمِمَّا وَرَدَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَأَسْلَفْنَا عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ» وَأَخْرَجَ عَنْهَا فِي حَدِيثِ «وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ أَبِيه: «أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَأَلَهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي وَيَدَعُ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَلَا صِحَّةٍ وَلَا سَقَمٍ» وَأَسْنَدَ أَبُو يَعْلَى إلَى ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لَا تَتْرُكُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّ فِيهَا الرَّغَائِبَ».

متن الهداية:
(وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي رُكُوعِهِ فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ) هُوَ يَقول: أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ لَا فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ (وَلَوْ رَكَعَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِ جَازَ) وَقَالَ زَفَرُ: لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ هَكَذَا مَا يَبْنِيهِ عَلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ) وَكَانَ يُمْكِنُهُ الرُّكُوعُ أَوْ لَمْ يَقِفْ بَلْ انْحَطَّ فَرَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِهَذِهِ مَعَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ زُفَرَ: يَصِيرُ مُدْرِكًا حَتَّى كَانَ لَاحِقًا عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، إذْ الْوَاجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ قَبْلَهُ. وَلَكِنَّهُ لَوْ صَلَّاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ جَازَ، وَعِنْدَنَا هُوَ مَسْبُوقٌ بِهَا فَلَا يَأْتِي بِهَا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ هُوَ يَقول أَدْرَكَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ وَهُوَ الرُّكُوعُ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَهُ، حَتَّى لَوْ شَارَكَهُ فِيهِ صَارَ مُدْرِكًا الرَّكْعَةَ وَيَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِيهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ وَلَمْ يَرْكَعْ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى رَفَعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا اتِّفَاقًا حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَيَلْحَقُهُ. وَلَنَا أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ وَشَرِكَةٌ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» وَفِيه: «وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» الْحَدِيثَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» إلَخْ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمُشَارَكَةِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ هَذِهِ مُشَارَكَةٌ لَا فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ، فَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ بَعْدُ، بِخِلَافِ مَنْ شَارَكَ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْ الرُّكُوعِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ مِنْهُ بِتَحَقُّقِ جُزْءِ مَفْهُومِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّخَلُّفِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى اللَّاحِقِ فِي الشَّرْعِ اتِّفَاقًا وَهُوَ بِذَلِكَ وَإِلَّا انْتَفَى هَذَا، وَمُدْرِكُ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْبِيرَتَيْنِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَلَوْ نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ الرُّكُوعَ لَا الِافْتِتَاحَ جَازَ وَلَغَتْ نِيَّتُهُ.
قولهُ: (وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ) فَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَ هَذَا الرُّكُوعَ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ لَمْ تُجْزِهِ كَمَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ هَذَا لِرُكُوعِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ. وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ لِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّكُوعِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَقَعُ مَوْقِعَهُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ حِينِ الْمُشَارَكَةِ الرُّكُوعُ الْمُقْتَدَى فِيهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِقولهِ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى فَاسِدٍ بَلْ هُوَ ابْتِدَاءٌ وَمَا قَبْلَهُ لَغْوٌ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ. وَقولهُ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ: يَعْنِي مَا لَوْ رَكَعَ مَعَهُ وَرَفَعَ قَبْلَهُ حَيْثُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ، كَذَا هَذَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَهُ طَرَفَانِ: طَرَفُ الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَطَرَفُ الِانْتِهَاءِ، فَكَمَا صَحَّتْ مَعَ مُخَالَفَتِهِ فِي الْأَوَّلِ كَذَا الثَّانِي، وَيُكْرَهُ فِيهِمَا لِلنَّصِّ الَّذِي سَمِعْت، وَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ وَأَدْرَكَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَام فَكَذَا فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَلَوْ أَطَالَ الْإِمَامُ فِي السُّجُودِ فَرَفَعَ الْمُقْتَدِي فَظَنَّ أَنَّهُ سَجَدَ ثَانِيَةً فَسَجَدَ مَعَهُ إنْ نَوَى بِهَا الْأُولَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَكُونُ عَنْ الْأُولَى، وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّانِيَةَ وَالْمُتَابَعَةَ تَرْجِيحًا لِلْمُتَابَعَةِ، وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهِ لِلْمُخَالَفَةِ، وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ كَانَتْ عَنْ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ مَعَ زُفَرَ. وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَكَذَا فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمُقْتَدِي إذَا أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ هَذِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ، أَوْ بِالرُّكُوعِ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ، أَوْ أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي آخِرِ الرَّكَعَاتِ، فَإِنْ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي كُلِّهَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ بِلَا قِرَاءَةٍ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا رَكَعَ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ، وَإِنْ رَكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَسَجَدَ بَعْدَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ مُدْرِكَ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَاحِقٌ وَهُوَ يَقْضِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ، وَيَقْضِي بَعْدَ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ. وَفِي الثَّانِيَةِ تَلْتَحِقُ سَجْدَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهِ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَبَرًا، وَيَلْغُو رُكُوعُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُقُوعِهِ عَقِيبَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ بِلَا سُجُودٍ. بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ رُكُوعُهُ فِي الثَّالِثَةِ مَعَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ وَيَلْتَحِقُ بِهِ سُجُودُهُ فِي رَابِعَةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ، وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ فِي الثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ.
تَتِمَّةٌ فِيمَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيهِ وَمَا لَا:
إذَا رَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ الْإِمَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَلَا يَصِيرَ رُكُوعَيْنِ، وَكَذَا فِي السُّجُودِ، وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَقول الْمُقْتَدِي سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ يُسَبِّحُ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ، وَفِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي الرُّكُوعِ، وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ يُتِمُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَقَامَ جَازَ، وَفِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ يُتِمُّهُ، وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الدُّعَاءِ يُسَلِّمُ مَعَهُ، وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا يُتِمُّ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَفْسُدُ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَبْقَى بَعْدَ سَلَامِهِ وَكَلَامِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ الْإِمَامُ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ وَيُتَابِعُهُ فِي الْقُنُوتِ. وَقَدَّمْنَا مَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ قَنَتَ وَإِلَّا تَابَعَ.
وَفِي نَظْمِ الزندويستي: خَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ: الْقُنُوتُ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ، وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى، وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إذَا تَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَسْجُدْ، أَوْ سَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ. وَأَرْبَعَةٌ إذَا فَعَلَهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْمُقْتَدِي: إذَا زَادَ سَجْدَةً مَثَلًا، أَوْ زَادَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَسَمِعَ التَّكْبِيرَاتِ مِنْ الْإِمَامِ لَا الْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَخَامِسَةٌ فِي تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا، وَسَنَذْكُرُ مَاذَا يَصْنَعُ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ فِي بَابِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتِسْعَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ: إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي الِافْتِتَاحِ، وَإِذَا لَمْ يُثْنِ مَا دَامَ فِي الْفَاتِحَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثْنِي، وَإِذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ، أَوْ لَمْ يُسَبِّحْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ، وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ الْقَوْمُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ لَا يُسَلِّمُونَ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَلَّمَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ بِالْحَدَثِ تَفْسُدُ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَحَلُّهُ فَيَنْتَفِي مَحَلُّ السَّلَامِ، وَإِذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ.
فَرْعٌ:
صَلَّى الْكَافِرُ بِجَمَاعَةٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَمُنْفَرِدًا لَا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ صَلَاةِ دِينِنَا، وَوُجُودُ اللَّازِمِ الْمُسَاوِي يَسْتَلْزِمُ الْمَلْزُومَ الْمُعَيَّنَ، وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَجٍّ وَلَا صَوْمِ رَمَضَانَ، وَفِي كَوْنِ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ نَظَرٌ.